يدرس بروتوكول RIGHT تأثير إعطاء المرضى الدواء المناسب بالجرعة المناسبة في الوقت المناسب بناءً على المعلومات الجينية.
يتعرض 1 من كل 3 بالغين تقريبًا لارتفاع ضغط الدم. ويتناول حوالي 70 بالمائة منهم أدوية لعلاج حالتهم، ولكن نصفهم فقط هو مَن استطاع التحكم به. لماذا؟ تتعلق إجابة هذا السؤال بجوهر نهج الطب الشخصي: فلكل شخص تركيبته الوراثية الفريدة، كما تختلف الاستجابة للأدوية من فرد لآخر.
وفي الأعوام الأخيرة، احتلَّت أخبار الطب الشخصي - الذي يطلق عليه أحيانًا الطب الدقيق - عناوين الصحف فيما يختص بقدرته على التنبؤ بإمكانية إصابة شخصٍ ما بمرض معين - في إطار الطفرات الوراثية BRCA1 وBRCA2 المرتبطة بسرطان الثدي والمبيض.
يقول الدكتور ريتشارد وينشيلبوم مدير برنامج علم الصيدلة الجيني في مركز الطب الفردي في مايو كلينك وأستاذ جينومات السرطان في مركز ماري لو وجون إتش داسبورغ: "ولكن هذا الأمر مجرد غيض من فيض بالنسبة إلى علم الجينوم.
فعندما تنظر إلى التطبيق السريري لعلم الجينوم، يفكر الجميع في السرطان - وهذا أمر صحيح؛ وهذا لأن السرطان عبارة عن مرض جيني. ورغم ذلك فإن الجانب السريري لعلوم الجينوم الذي من شأنه التأثير على كل شخص في كل مكان هو علم الصيدلة الجيني أو كيفية تأثير التركيب الجيني للفرد على استجابة الجسم للأدوية".
ما مدى شيوع هذه الاختلافات الجينية المرتبطة بالأدوية؟ وجدت إحدى الدراسات التي أجريت في مايو كلينك أن 99 في المائة من المشاركين لديهم متغير جيني "يمكن أن يُتعامل معه سريريًا" يرتبط بخمسة جينات فقط هي التي تؤثر على الاستجابة للدواء. يعني ذلكَ أن كل مشارك تقريبًا - وحسب احتياجاته الصحية المستقبلية - يمكن أن يوصف له دواء أو جرعة قياسية تكون في أفضل الأحوال بمنزلة علاج وهمي، لكنها قد تسبِّب في أسوأ الأحوال آثارًا جانبية خطيرة.
ما نوع الدواء الذي يناسب حالة كل مريض؟
تُجرى الدراسة وفق البروتوكول المعروف باسم RIGHT (وهو اختصار مكون من الحروف الإنجليزية الأولى لعناصر الدواء الصحيح، بالجرعة الصحيحة وفي الوقت الصحيح: باستخدام البيانات الجينية لتخصيص العلاج)، وتضمّن المعلومات الوراثية للمريض في السجل الصحي الإلكتروني بصورة استباقية للاستخدام المستقبلي، لمعرفة ما إذا كان إجراء ذلك من شأنه أن يُحسّن النتائج طويلة الأجل لكل من المريض ونظام تقديم الرعاية الصحية بشكل عام من عدمه.
الكلمة الأساسية هي "بصورة استباقية". فعلى سبيل المثال، يمكن أن يصف مقدمو الخدمة اليوم أيًا من الأدوية الأربعة الرئيسية لعلاج ارتفاع ضغط الدم: الأدوية المدرة للبول، أو مثبطات الإنزيمات المحولة للأنجيوتنسين، أو حاصرات بيتا، أو حاصرات مستقبلات الكالسيوم.
يسأل د. وينشيلبوم: "لكن أي هذه الأدوية يناسب حالة كل مريض؟ ما نجده في ارتفاع ضغط الدم هو أن هناك خللاً مستمرًا في النظام قبل أن يجد المريض الدواء والجرعة المناسبة لحالته. فإذا كنا نعلم منذ البداية من سيستجيب لأي دواء، كان هذا ليؤثر تأثيرًا كبيرًا في النفقات المالية وفي الرعاية الصحية."
أجرى باحثون من مركز الطب الفردي في المرحلة الأولية لبروتوكول RIGHT تسلسلاً الحمض النووي لأكثر من 1000 مشارك في بنك مايو كلينك الحيوي ممن يتلقون أيضًا الرعاية الأولية في مايو كلينك. وقد فحص الباحثون المتغيرات في 84 جينًا معروفة بتأثيرها في الاستجابة الدوائية والمعلومات المضمنة عن خمسة جينات معروفة بفائدتها السريرية في السجل الصحي الإلكتروني لكل مريض.
يمكن للأطباء الذين يعالجون المرضى المشاركين في الدراسة أن يتصرفوا بناءً على هذه المعلومات بمساعدة نظام تنبيه علم الصيدلة الجيني "زوج الجينات الدوائية" الذي طورته فرقة عمل مايو كلينك المعنية بعلم الصيدلة الجيني بالشراكة مع مكتب إدارة معارف المعلومات في مايو كلينك. فإذا وصف الطبيب واحدًا من 17 دواءً - شاملة بعض مضادات تخثر الدم ومضادات الاكتئاب وعلاجات السرطان والأدوية المسكنة للألم أو غيرها - فسوف يبحث النظام في السجل الصحي الإلكتروني تلقائيًا لمعرفة المعلومات الوراثية للمريض. وإذا وجد النظام متغيرًا يمكن اتخاذ إجراء بشأنه، فإنه يصدر تنبيهًا يوصي فيه الطبيب بتغيير الجرعة أو الدواء بسبب احتمال التعرض للتسمم أو انخفاض تأثير الدواء.
تقول الطبيبة سوزيت جيه بيلينسكي الحاصلة على دكتوراه في علم الأوبئة الوراثية والباحثة الرئيسية في بروتوكول RIGHT: "نحن حقًا رواد في هذا المجال.
فحتى الآن، اقتصرت تجارب وأبحاث علم الصيدلة الجيني على العيادات المتخصصة - منها على سبيل المثال لا الحصر وفيروس نقص المناعة البشرية وعلم الأورام وزارعة الأعضاء. فالأخصائيون في هذه المجالات يتعاملون يوميًا مع علاجات لها آثار جانبية حادة، بل ومميتة في بعض الأحيان، ولذلك يخضع المرضى دائمًا للاختبارات الجينية قبل تناول الدواء. ونشير إلى هذا الإجراء تحديد النمط الجيني.
لكن في بروتوكول RIGHT، ما نريد أن نعرفه هو مدى تأثير تحليل النمط الجيني الاستباقي على المرضى باختلاف حالتهم الصحية في الرعاية الروتينية والعقبات التي تؤثر على التنفيذ".
صورة كبيرة، حجم عينة أكبر
بعد أن صمم بروتوكول RIGHT بالبنك الحيوي في Mayo Clinic أنظمته واختبرها في دراسة أولية ضمنت 1000 مشارك، يعمل الباحثون على زيادة المشاركين في البروتوكول إلى 10000 مشارك. وقد يساعد حجم العينة لهذا العدد الباحثين على الإجابة عن السؤال النهائي الصورة الكبيرة، وهو: "هل يحدث هذا الإجراء أيّ فرق؟"
يشارك مركز Robert D. وPatricia E. Kern لعلوم تقديم الرعاية الصحية في Mayo Clinic مركز الطب الفردي للمساعدة على الإجابة عن ذلك السؤال. يُعد مجال علوم تقديم الرعاية الصحية مجالاً يجمع المناهج الكمّية والنوعية البحثية مع تحليل البيانات المتطور لتحديد أفضل الممارسات التي تحقق أفضل النتائج.
تقول الأستاذة الدكتورة Jennifer St. Sauver: "هذا مجال جديد لا يعرفه أحد بدرجة كافية، وما إذا كان فعَّالاً من حيث التكلفة ، في حالة تطبيق الجينوميات الدوائية بشكل متسع عبر الولايات المتحدة؟" وهي اختصاصية الوبائيات التي ترشد هذا الجانب من بروتوكول RIGHT وتعمل في برنامج علوم صحة الجماهير التابع للمركز. وتقول: "هل يفيد تحديد النمط الجيني لكل هؤلاء المرضى؟ هل يمكن دمجه في الممارسة الطبية وتدريب الأطباء؟ وكل هذا يتطلب استثمارًا كبيرًا واضحًا في البنية الأساسية."
ولكن في حالات معينة، قد يحقق أرباح في النتائج طويلة المدى، وفقًا لما تراه. وبالنسبة للمرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم، ما النتيجة الناجمة عن خفض الحصول على العقار الصحيح والجرعة المناسبة للمرة الأولى، للوقائع الوطنية للإصابة بالسكتة الدماغية وفشل الكلى وغيرها من الحالات المكلفة؟ والوقاية من التردد على غرف الطوارئ وخول المستشفى؟ وتقليل أيام العمل الفائتة المرتبطة بالمضاعفات الصحية؟
وتعليقًا على هذا، يقول د. Weinshilboum: "توجد فرصة مذهلة سانحة في هذا المقام. تحتاج فوائد تطبيق الجينوميات الدوائية بشكل واسع على المرضى ونظام الرعاية الصحية، للاختبار النظامي، وهذا ما نخطط لتنفيذه."
يساعد دعمك على الإسراع في تعافي كل المرضى. اصنع هدية اليوم.